الاخبار بول مخلوف الثلاثاء 19 تشرين الثاني 2024
www.sadawilaya.com
تولى محمد عفيف مهمة تمثيل «حضور» حزب الله في الوقت الذي كان فيه «حزب الله» يواجه أكبر عملية محو في التاريخ المعاصر. بات محمد عفيف، في أكثر لحظات «حزب الله» قتامةً، صورة عن «حزب الله» وصوته. ومثل أيّ مقاومٍ آخر، تعرض محمد عفيف لمحاولة اغتيالٍ فاشلة، تلتها تهديدات بالاغتيال والتصفية بشكلٍ يوميّ، وكل هذا لم يمنعه من الخروج على الهواء مباشرةً وسط الدمار والخراب بعد قصف جنونيِّ، ليعقد مؤتمراتٍ صحافيةً ناريةً وحادّة من وسط الحطام والدمار، سارداً لنا عن فشلٍ إسرائيليٍّ من هنا، وبسالة مقاتلي «حزب الله» من هناك.
محاطاً بالأبنية المتضرّرةِ، الأبنية المحطّمة، الإسمنت المكدّس، الغبار السميك، الخرسانة المهدَّمة، أزيز طائرات الاستطلاع، سذاجة الصحافيين... كانت فجاجةُ الواقع ديكوراً لإطلالات محمد عفيف الإعلامية. محمد عفيف الذي صارت صورته مُرفقةً بصورةِ مدينةٍ مدمَّرةٍ، هو من ناحيةٍ ما نموذج عن «جمالية الخراب»، وهذه إستيطيقيا المقاومة وقد تجلّت في شخصه، بوصفه مقاوماً شرساً ومخرباً حقيقيّاً. فقد حارب محمد عفيف على الجبهة الإعلامية الناطقة باسم «جيش» الاحتلال، المخبول، الذي يؤدي دور «البطل» في هذه الحرب، وحارب ماكيناتٍ إعلاميّة ضخمة تملك استوديوهات مزيّنة وبراقة: «هوليوودية» تنقل (أخبار) الفانتازيا وسيناريوهات الأكشن الإسرائيلية، وقد خرّب كل السرديات من موقعه الحقيقيّ: من استوديو الخراب، من الميدان حيث الحقيقة تكمن فيه لا خارجه. هكذا كان محمد عفيف صورة عن «حزب الله» الذي يُقاتل العالم، إسرائيل ومن معها، كاستوديوهات هوليوودية وصنّاع سرديات الكذب والتضليل، وجرائد تحرّض عليه برفقة وشاة يفسدون عنه. كان محمد عفيف صوت «حزب الله» مثلما كانت صورته أيضاً، خطابه لهو مثال عن الحرب بين الحقيقة والتضليل، الواقع مقابل الخرافة، الكلام المبرهن مقابل الثرثرة والبروباغندا.
استشهاد محمد عفيف يعني موته، أي إنه انتهى. ومن شأن هذا الموت جعلنا نستعيد طعم المرارةِ التي تحاول استوديوهات التضليل «الهوليوودية» إضفاء مقادير كبيرة من السُّكّر بغية تغيير المذاق: إنّ استوديو الخراب الذي اعتاد محمد عفيف أن يطل منه، هو هذا الخراب الذي يلفُّ حياتَنا، وهذه الحرب ليست مشهداً بل هي الحياة، حياتنا، بشكلها العاري، ومحمد عفيف الذي كان ناطقاً باسم المقاومة هو واحدٌ منا... نحن الناجون الذين لا نزال وسط هذا الخراب نقول الحقيقة، على أنّ كل هذا الخراب لم يكن ليحصل لو لم نكن حقيقيين